النقل الديداكتيكي
النقل الديداكتيكي
Transposition didactique
يحتل مفهوم النقل
الديداكتيكي موقعا مركزيا في ديداكتيك العلوم تحديدا، و لقد برز هذا المصطلح إلى
الوجود لأول مرة في حقل ديداكتيك الرياضيات مع Yves Chevallard،
و لم يلبث أن استثمر لاحقا في مجال البيولوجيا من طرف
M.Develay و G.Rumelhard خلال دراستهما لموضوع الذاكرة و مفاهيم
علم الوراثة.
مفهوم النقل الديداكتيكي : يعرف
Arsac. G النقل الديداكتيكي ب: " مجموع التحولات التي تطرأ على معرفة معينة في
مجالها العالم ( Savoir Savant ) من أجل تحويلها إلى معرفة تعليمية قابلة
للتدريس" أما Y Chevallard. فيرى أنه : " هو
العمل الذي نقوم به عندما نحول معرفة عالمة ( Savoir Savant ) إلى معرفة قابلة
للتدريس مع مقاربة ما يحدث للمعرفة العالمة أثناء هذه العملية
." وإجمالا فالنقل الديداكتيكي نشاط اختزالي و عمل
انتقائي يهدف تحويل المعرفة من مجالها العالم وفق إنتاجها الطبيعي، إلى المجال
التعليمي المدرسي حسب شروط و مقاييس خاصة من مراعاة للتغيرات على مستوى الشكل و
المضمون دلاليا و ابستمولوجيا و سيكولوجيا ( الفصل عن السياق الذي
أتت فيه…)
ومن خلال هذه
التعاريف يمكن التمييز بين :
المعرفة العالمة :
و هي المعرفة المنتجة من طرف المختصين و الباحثين و تتضمن مفاهيم و معارف
مجردة يستحيل إدراكها من طرف التلميذ.
المعرفة اللازم/المراد
تدريسها: تتمثل في البرامج الرسمية المسطرة، و هي في
مجموعها مستقاة من المعرفة العالمة.
المعرفة المدرسة : تتمثل فيما
يقدمه المدرس لتلامذته عبر وضعيات ديداكتيكية معينة و وسائل تعليمية محددة مما
يعكس المنهاج الدراسي الفعلي.
يرى Develay
أن النقل الديداكتيكي " عادة ما يهتم بالانتقال من المعرفة
العالمة إلى المعرفة المراد تدريسها دون اعتبار أن هذه الأخيرة يمكن أن ترتبط
بعلاقات مع الممارسات الاجتماعية المرجعية، و هكذا يتم تغييب السياق التاريخي لبناء المفاهيم،
و تعزل هذه الأخيرة عن مجال صلاحيتها ( المشكل المطروح ) كما يتم اعتبارها
قارة و جامدة و صلبة لا تقبل المناقشة .
المعرفة
العالمة (نصوص و مقالات علمية متخصصة )
|
المعرفة المعدة للتدريس
|
المعرفة المدرسة
|
المعرفة
المستوعبة
|
باحثون،
متخصصون، علماء
|
واضعي
البرامج
|
المدرس
|
التلميذ
|
مظاهر النقل الديداكتيكي
: تتسم المعرفة العالمة
بالتعقيد و التطور، يقول Develay " كل معرفة عالمة هي عبارة عن أجوبة على
أسئلة مطروحة أو مقدمة، إن هذه الأسئلة تكون أحيانا عويصة أو معقدة…كما تعتبر
نتيجة لبحث معين مستمر و متتابع داخل مجال محدد و فترة معينة " .
إن مهمة انتقاء و اختيار المادة التعليمية المناسبة القابلة للتدريس ليس
بالأمر السهل حيث تنتج عنه تبعات تتمظهر في تغيرات تطرأ على المعرفة العالمة
و هي :
1- إزالة الشخصنة و تجريد
المعرفة من الرواسب الذاتية Dépersonnalisation du savoir : إن كل إنتاج معرفي
يرتبط بفترة زمنية محددة و بشخص معين ( أو أشخاص) و هذه المرحلة تقتضي من الباحث
"إزالة شخصنة المعرفة بحذف التعليلات الشخصية الذاتية و الخلفيات النظرية
الإيديولوجية و الأخطاء و المسالك المتعرجة و الطويلة.." فضلا عن استبعاد
الترددات و العوائق الابستمولوجية و الحوافز الشخصية المرتبطة بالباحث أو المجتمع
( فوراء البحث في مرض السيدا مثلا تكمن دوافع مادية و حوافز اجتماعية معلومة…)
2- إزالة بلورة المعرفة . Desynchrétisation du
savoir : تتسم المعرفة العلمية بالتكامل و النسقية ( الوحدة ) و ينتج عن تجزيئها و
تفكيكها لهدف تدريسها تشويه لها، مما يؤثر على فهمها في شموليتها وهذا ما
يعاب على المواد الدراسية.
3- إزالة سياق المعرفة /
تجريدها من سياقها Décontextualisation : و تتمثل في حذف القانون
الابستمولوجي للمعرفة العالمة و تغيير تاريخها و سيرورتها الداخلية، و
تجريدها من المشكل الذي كانت تعالجه فضلا عن البحث في السياق العام الذي ترمي إليه و هنا يؤكد
Decoorte أن المفاهيم العلمية لا تأخذ معناها إلا بداخل سياقها و من هنا تتجلى أهمية
اعتماد تاريخ العلوم حتى يدرك المستهدفون وظيفة العلم و كيفية تطور المعرفة.
4- التبرمج Programmabilité du savoir: يستوجب بناء مقرر دراسي
خاص، مراعاة ملائمة مستويات صياغة المفاهيم للمراحل النفسية و النمو المعرفي
للمستهدفين على مستوى السن و الزمن. يرى Arsac أن " المعرفة
المدرسة مبنينة و مقدمة وفق تطور الزمن، و نعني بالتطور داخل الزمن الوقت
الأساسي للتعليم و التحصيل، و إذا لم يتحقق التعلم المحدد لسن معينة فنستنتج إما
فشل التلميذ أو المدرس، أو بصيغة قصوى فشل المنظومة التربوية…"
عمل المدرس و النقل
الديداكتيكي : إن عملية النقل
الديداكتيكي تسعى إلى دمج المفاهيم و المعارف العالمة في حقل المعرفة المدرسية،
إلا أنه ينبغي مراعاة الممارسات الاجتماعية المرجعية ( حاجيات، قيم…) و
اقتراح أنشطة تعليمية منبثقة من الوسط السوسيوثقافي للمستهدفين، إن عمل
المدرس ينحصر في تحويل المعرفة المعدة للتدريس إلى معرفة مدرسية موازاة مع
عمل المتعلم و هو بذلك مطالب بتحليل المعرفة المراد تدريسها من خلال
:
1) تحديد المفاهيم الأساسية و فرز الأفاهيم و المعارف…
2) تحديد الشبكة المفاهيمية بالنسبة لكل مفهوم مدمج…(لهدف تنظيم المحتوى
)
3) مراعاة مستوى صياغة المفاهيم للفئة المستهدفة.
4) ضبط تاريخ المفاهيم المراد تدريسها.
5) مراعاة تمثلات التلميذ و معارفه المتناثرة غير الدقيقة و استثمارها و إعادة
بنينتها من جديد.
6) الالمام بالعوائق الابستمولوجية المتعلقة بالمفاهيم المسطرة.
7) بلورة المعارف المنهجية على شكل كفايات و قدرات …
8) اختيار الوضعيات التعليمية الملائمة…
9) تجنب تقديم المعرفة الجاهزة المعطلة لقدرات التلاميذ و السعي إلى استدراج
المتعلم للمساهمة في بناء المعرفة بنفسه من خلال تهيئ مشاكل للحل و جعلها موضوعا
للتعلم و لاكتساب خبرات جديدة و هكذا يمكن الحديث عن سيرورة إنتاجية للمعرفة
و كأن التلميذ اكتشفها لأول مرة…