الأربعاء، 23 سبتمبر 2015

النقل الديداكتيكي

النقل الديداكتيكي
Transposition didactique
يحتل مفهوم  النقل الديداكتيكي موقعا مركزيا في ديداكتيك العلوم تحديدا، و لقد برز هذا المصطلح إلى الوجود لأول مرة في حقل  ديداكتيك  الرياضيات مع Yves  Chevallard،  و لم يلبث  أن استثمر لاحقا في مجال البيولوجيا من طرف M.Develay و G.Rumelhard خلال دراستهما لموضوع الذاكرة و مفاهيم علم الوراثة.
مفهوم النقل الديداكتيكي : يعرف Arsac. G النقل الديداكتيكي ب: " مجموع التحولات التي تطرأ على معرفة معينة في مجالها العالم ( Savoir Savant ) من أجل تحويلها إلى معرفة تعليمية قابلة للتدريسأما Y Chevallard. فيرى أنه : " هو العمل الذي نقوم به عندما نحول معرفة عالمة  ( Savoir Savant ) إلى معرفة قابلة للتدريس مع مقاربة ما يحدث للمعرفة العالمة أثناء هذه العملية ." وإجمالا فالنقل الديداكتيكي نشاط اختزالي و عمل انتقائي يهدف تحويل المعرفة من مجالها العالم وفق إنتاجها الطبيعي، إلى المجال التعليمي المدرسي حسب شروط و مقاييس خاصة من مراعاة للتغيرات على مستوى الشكل و المضمون دلاليا و ابستمولوجيا و سيكولوجيا ( الفصل عن السياق الذي أتت فيه…)
ومن خلال هذه التعاريف  يمكن التمييز بين :
المعرفة العالمة : و هي المعرفة المنتجة من طرف المختصين و الباحثين و تتضمن مفاهيم و معارف مجردة يستحيل إدراكها من طرف التلميذ.
المعرفة اللازم/المراد تدريسها: تتمثل في البرامج  الرسمية المسطرة، و هي في مجموعها مستقاة من المعرفة العالمة.
المعرفة المدرسة : تتمثل فيما يقدمه المدرس لتلامذته عبر وضعيات ديداكتيكية معينة و وسائل تعليمية محددة مما يعكس المنهاج الدراسي الفعلي.
مستويات النقل الديداكتيكي حسب Develay  
يرى Develay أن النقل الديداكتيكي " عادة   ما يهتم بالانتقال من المعرفة العالمة إلى المعرفة المراد تدريسها دون اعتبار أن هذه الأخيرة يمكن أن ترتبط بعلاقات مع الممارسات الاجتماعية المرجعية، و هكذا يتم تغييب السياق التاريخي لبناء المفاهيم، و تعزل هذه الأخيرة عن مجال صلاحيتها ( المشكل المطروح ) كما يتم اعتبارها قارة   و جامدة و صلبة لا تقبل المناقشة . 
المعرفة العالمة  (نصوص و مقالات علمية متخصصة ) 
المعرفة المعدة للتدريس 
المعرفة المدرسة 
المعرفة المستوعبة 
باحثون، متخصصون، علماء 
واضعي البرامج 
المدرس 
التلميذ 

مظاهر النقل الديداكتيكي تتسم المعرفة العالمة بالتعقيد و التطور، يقول Develay " كل معرفة عالمة هي عبارة عن أجوبة على أسئلة مطروحة أو مقدمة، إن هذه الأسئلة تكون أحيانا عويصة أو معقدة…كما تعتبر نتيجة لبحث معين مستمر و متتابع داخل مجال محدد و فترة معينة  " . إن مهمة انتقاء و اختيار المادة التعليمية المناسبة القابلة للتدريس ليس بالأمر السهل حيث تنتج عنه تبعات تتمظهر في تغيرات  تطرأ على المعرفة العالمة و هي :
1- إزالة الشخصنة و تجريد المعرفة من الرواسب الذاتية Dépersonnalisation du savoir : إن كل إنتاج معرفي يرتبط بفترة زمنية محددة و بشخص معين ( أو أشخاص) و هذه المرحلة تقتضي من الباحث "إزالة شخصنة المعرفة بحذف التعليلات الشخصية الذاتية و الخلفيات النظرية الإيديولوجية و الأخطاء و المسالك المتعرجة و الطويلة.." فضلا عن استبعاد  الترددات و العوائق الابستمولوجية و الحوافز الشخصية المرتبطة بالباحث أو المجتمع ( فوراء البحث في مرض السيدا مثلا تكمن دوافع مادية و حوافز اجتماعية معلومة…)
2- إزالة بلورة المعرفة . Desynchrétisation du savoir : تتسم المعرفة العلمية بالتكامل و النسقية ( الوحدة ) و ينتج عن تجزيئها و تفكيكها لهدف تدريسها  تشويه لها، مما يؤثر على فهمها في شموليتها وهذا ما يعاب على المواد الدراسية.
3- إزالة سياق المعرفة / تجريدها من سياقها Décontextualisation : و تتمثل في حذف القانون الابستمولوجي للمعرفة العالمة و تغيير تاريخها  و سيرورتها الداخلية، و تجريدها من المشكل الذي كانت تعالجه فضلا عن البحث في السياق العام الذي ترمي إليه و هنا يؤكد Decoorte أن المفاهيم العلمية لا تأخذ معناها إلا بداخل سياقها و من هنا تتجلى أهمية اعتماد تاريخ العلوم حتى يدرك المستهدفون وظيفة العلم و كيفية تطور المعرفة.
4- التبرمج Programmabilité du savoir: يستوجب بناء مقرر دراسي خاص، مراعاة ملائمة مستويات صياغة المفاهيم للمراحل النفسية و النمو المعرفي للمستهدفين على مستوى السن و الزمن. يرى Arsac أن " المعرفة المدرسة مبنينة و مقدمة  وفق تطور الزمن، و نعني بالتطور داخل الزمن الوقت الأساسي للتعليم و التحصيل، و إذا لم يتحقق التعلم المحدد لسن معينة فنستنتج إما فشل التلميذ أو المدرس، أو بصيغة قصوى فشل المنظومة التربوية
عمل المدرس و النقل الديداكتيكي : إن عملية النقل الديداكتيكي تسعى إلى دمج المفاهيم و المعارف العالمة في حقل المعرفة المدرسية، إلا أنه  ينبغي مراعاة الممارسات الاجتماعية المرجعية ( حاجيات، قيم…) و اقتراح أنشطة تعليمية منبثقة من الوسط  السوسيوثقافي للمستهدفين، إن عمل المدرس  ينحصر في تحويل المعرفة المعدة للتدريس إلى معرفة مدرسية موازاة مع عمل المتعلم و هو بذلك مطالب بتحليل المعرفة المراد تدريسها من خلال :
1)      تحديد المفاهيم الأساسية و فرز الأفاهيم و المعارف
2)      تحديد الشبكة المفاهيمية بالنسبة لكل مفهوم مدمج…(لهدف تنظيم المحتوى )
3)      مراعاة مستوى صياغة المفاهيم للفئة المستهدفة.
4)      ضبط تاريخ المفاهيم المراد تدريسها.
5)      مراعاة تمثلات التلميذ و معارفه المتناثرة غير الدقيقة و استثمارها و إعادة بنينتها من جديد.
6)      الالمام بالعوائق الابستمولوجية المتعلقة بالمفاهيم المسطرة.
7)      بلورة المعارف المنهجية على شكل كفايات و قدرات
8)      اختيار الوضعيات التعليمية الملائمة
9)      تجنب تقديم المعرفة الجاهزة المعطلة لقدرات التلاميذ و السعي إلى استدراج المتعلم للمساهمة في بناء المعرفة بنفسه من خلال تهيئ مشاكل للحل و جعلها موضوعا للتعلم و لاكتساب خبرات جديدة و هكذا يمكن الحديث عن سيرورة  إنتاجية للمعرفة و كأن التلميذ اكتشفها لأول مرة


0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية